قلوب العاشقين البحث والسعي للوصول الى عشق الله واهل البيت والحب في الله ولله |
انوي تسجيل دخولك للمنتدى قربة الى الله تعالى
|
|
| اخلاق اهل البيت (التاخي, العصبية ,العدل, الظلم , الاخلاص) | |
| | كاتب الموضوع | رسالة |
---|
عاشقة الحسين
عدد المساهمات : 29 تاريخ التسجيل : 23/10/2010
| موضوع: اخلاق اهل البيت (التاخي, العصبية ,العدل, الظلم , الاخلاص) الأحد أكتوبر 24, 2010 3:50 am | |
| التآخي
التآخي الروحي:
كان العصر الجاهلي مسرحاً للمآسي والأرزاء، في مختلف مجالاته ونواحيه الفكرية والمادية.
وكان من أبشع مآسيه، ذلك التسيب الخُلقي، والفوضى المدمّرة، مما صيّرهم يمارسون طباع الضواري، وشريعة الغاب والتناكر والتناحر، والفتك والسلب، والتشدق بالثأر والانتقام.
فلما أشرق فجر الاسلام، وأطل بأنواره على البشرية، إستطاع بمبادئه الخالدة، ودستوره الفذّ أن يُطبّ تلك المآسي، ويحسم تلك الأوزار، فأنشأ من ذلك القطيع الجاهلي «خير أمة أخرجت للناس»(1) عقيدة وشريعة، وعلماً وأخلاقاً. فأحلّ الايمان محل الكفر، والنظام محل الفوضى، والعلم محل الجهل، والسلام محل الحرب، والرحمة محل الانتقام.
فتلاشت تلك المقاهيم الجاهلية، وخلفتها المبادئ الاسلامية الجديدة، وراح النبي صلى اللّه عليه وآله يبني وينشئ أمة مثالية تبذ الأمم نظاماً، وأخلاقاً وكمالاً.
وكلما سار المسلمون أشواطاً تحت راية القرآن، وقيادة الرسول الأعظم
_____________________
(1) آل عمران: 110.
{ 100 }
صلى اللّه عليه وآله، توغلوا في معارج الكمال، وحلقوا في آفاق المكارم، حتى حققوا مبدأ المؤاخاة بأسلوب لم تحققه الشرائع والمبادئ، وأصبحت أواصر العقيدة أقوى من أواصر النسب، ووشائج الايمان تسمو على وشائج القومية والقبلية، وغدا المسلمون .مة واحدة، مرصوصة الصف، شامخة الصرح، خفّاقة اللواء، لاتفرقهم النعرات والفوارق.
«يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى، وجعلناكم شعوباً وقبائل، لتعارفوا، إن أكرمكم عند اللّه أتقاكم»(1).
وطفق القرآن الكريم يغرس في نفوس المسلمين مفاهيم التآخي الروحي، مركزاً على ذلك بآياته العديدة وأساليبه الحكيمة الفذّة.
فمرة شرّع التآخي ليكون قانوناً للمسلمين «إنما المؤمنون إخوة، فأصلحوا بين أخويكم، واتقوا اللّه لعلكم ترحمون»(2).
وأخرى يؤكد عليه محذراً من عوامل الفرقة، ومذكراً نعمة التآلف والتآخي الاسلامي، بعد طول التناكر والتناحر الجاهليين، «واعتصموا بحبل اللّه جميعاً ولا تفرقوا، واذكروا نعمة اللّه عليكم إذ كنتم أعداءاً، فألّف بين قلوبكم، فأصبحتم بنعمته إخواناً»(3).
وهكذا جهد الاسلام في تعزيز التآخي الروحي وحماه من نوازع الفرقة والانقسام، بما شرّعه من دستور الروابط الاجتماعية في نظامه الخالد.
_____________________
(1) الحجرات: 13.
(2) الحجرات: 10.
(3) آل عمران: 103.
{ 101 }
واليك نموذجاً من ذلك:
1 - تسامى بشعور المسلمين وعواطفهم، أن تسترقها النعرات العصبية، ونزعاتها المفرّقة، ووّجهها نحو الهدف الأسمى من طاعة اللّه تعالى ورضاه: فالحبّ والبغض، والعطاء والمنع، والنصر والخذلان: كل ذلك يجب أن يكون للّه عز وجل، وبذلك تتوثق عرى المؤاخاة، وتتلاشى النزعات المفرقة، ويغدو المسلمون كالبنيان المرصوص، يشدّ بعضه بعضاً.
واليك قبساً من آثار أهل البيت عليهم السلام في هذا المقام:
عن الباقر عليه السلام قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله «ودّ المؤمن للمؤمن في اللّه، من أعظم شعب الايمان، ألا ومن أحبّ في اللّه، وأبغض في اللّه، وأعطى في اللّه، ومنع في اللّه، فهو من أصفياء اللّه»(1).
وقال الصادق عليه السلام: «إنّ المتحابين في اللّه يوم القيامة، على منابر من نور، قد أضاء نور وجوههم، ونور أجسادهم، ونور منابرهم، كل شيء حتى يعرفوا به، فيقال هؤلاء المتحابون في اللّه»(2).
وقال علي بن الحسين عليه السلام: «إذا جمع اللّه عز وجل الأولين والآخرين، قام مناد ينادي بصوت يسمع الناس، فيقول: أين المتحابون في اللّه؟ قال: فيقوم عُنُق من الناس، فيقال لهم: اذهبوا الى الجنة
_____________________
(1) الوافي ج 3 ص 89 عن الكافي.
(2) نفس المصدر.
{ 102 }
بغير حساب.
قال: فتلقاهم الملائكة فيقولون: الى أين؟ فيقولون: الى الجنة بغير حساب.
قال: فيقولون: فأي ضرب أنتم من الناس؟ فيقولون: نحن المتحابون في اللّه.
فيقولون: وأيّ شيء كانت أعمالكم؟ قالوا: كنّا نحبّ في اللّه، ونبغض في اللّه.
قال: فيقولون: نعم أجر العاملين»(1).
وقال الصادق عليه السلام: «كل من لم يحب على الدين، ولم يبغض على الدين فلا دين له»(2).
وعن جابر الجعفي عن أبي جعفر عليه السلام قال: «إذا أردت أن تعلم أن فيك خيراً، فانظر الى قلبك، فان كان يحب أهل طاعة اللّه، ويبغض أهل معصيته، ففيك خير، واللّه يحبك، وإن كان يبغض أهل طاعة اللّه ويحب أهل معصيته، فليس فيك خير، واللّه يبغضك، والمرء مع من أحب»(3).
2 - رغب المسلمين فيما يؤلفهم، ويحقق لهم العزة والرخاء، كالتواصي بالحق، والتعاون على البر، والتناصر على العدل، والتكافل في مجالات الحياة الاقتصادية، فهم في عرف الشريعة أسرة واحدة، يسعدها ويشقيها
_____________________
(1) البحار م 15 ج 1 ص 283 عن الكافي.
(2)، (3) الوافي ج 3 ص 90 عن الكافي.
{ 103 }
ما يسعد أفرادها ويشقيهم.
دستورها «محمد رسول اللّه والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم»(1).
وشعارها قول الرسول الأعظم صلى اللّه عليه وآله: «من أصبح لا يهتم بأمور المسلمين فليس بمسلم»(2).
3 - خذّر المسلمين مما يبعث على الفرقة والعداء، والفحش والبذاء والاغتياب، والنميمة والخيانة والغش، ونحوها من مثيرات الفتن والضغائن، ومبدأهم في ذلك قول النبي صلى اللّه عليه وآله:
«المؤمن من أمنه الناس على أموالهم ودمائهم، والمسلم من سلم المسلمون من يده ولسانه، والمهاجر من هجر السيئات»(3).
4 - أتاح الفرص لانماء العلاقات الودّية بين المسلمين، كالحث على التزاور، وارتياد المحافل الدينية، وشهود المجتمعات الاسلامية، كصلاة الجماعة ومناسك الحج، ونحو ذلك.
_____________________
(1) الفتح: 29.
(2) الوافي ج 3 ص 99 عن الكافي.
(3) الوافي ج 14 ص 48 عن الفقيه.
العصبية
هي: مناصرة المرء قومه، أو اسرته، أو وطنه، فيما يخالف الشرع، وينافي الحق والعدل.
وهي: من أخطر النزعات وأفتكها في تسيب المسلمين، وتفريق شملهم، وإضعاف طاقاتهم، الروحية والمادية، وقد حاربها الاسلام، وحذّر المسلمين من شرورها.
فعن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله: من كان في قلبه حبة من خردل من عصبية، بعثه اللّه تعالى يوم القيامة مع أعراب الجاهلية»(1).
وقال الصادق عليه السلام: «من تعصّب عصّبه اللّه بعصابة من نار»(2).
وقال النبي صلى اللّه عليه وآله: «إن اللّه تبارك وتعالى قد أذهب بالاسلام نخوة الجاهلية، وتفاخرها بآبائها، ألا إن الناس من آدم، وآدم من تراب، وأكرمهم عند اللّه أتقاهم»(3).
_____________________
(1)، (2) الوافي ج 3 ص 149 عن الكافي.
(3) الوافي ج 14 ص 48 عن الفقيه.
{ 105 }
وقال الباقر عليه السلام: جلس جماعة من أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ينتسبون ويفتخرون، وفيهم سلمان. فقال عمر: ما نسبك أنت يا سلمان وما أصلك؟ فقال: أنا سلمان بن عبد اللّه، كنت ضالاً فهداني اللّه بمحمد. وكنت عائلاً فأغناني اللّه بمحمد، وكنت مملوكاً فأعتقني اللّه بمحمدٍ، فهذا حسبي ونسبي ياعمر.
ثم خرج رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله، فذكر له سلمان ما قال عمر وما أجابه، فقال رسول اللّه: «يا معشر قريش إن حَسب المرء دينه، ومروءته خُلقه، وأصله عقله، قال اللّه تعالى «يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى، وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا، إن أكرمكم عند اللّه أتقاكم».
ثم أقبل على سلمان فقال له: إنّه ليس لأحد من هؤلاء عليك فضل إلا بتقوى اللّه عز وجل، فمن كنت أتقى منه فأنت أفضل منه»(1).
وعن الصادق عن أبيه عن جده عليهم السلام قال: «وقع بين سلمان الفارسي رضي اللّه عنه، وبين رجل كلام وخصومة، فقال له الرجل: من أنت يا سلمان؟ فقال سلمان: أمّا أولي وأولك فنطفة قذرة. وأمّا آخري وآخرك فجيفة منتنة، فاذا كان يوم القيامة، ووضعت الموازين، فمن ثقل ميزانه فهو الكريم، ومن خفّ ميزانه فهو اللئيم»(2).
وأصدق شاهد على واقعية الاسلام، واستنكاره النعرات العصبية
_____________________
(1) البحار م 15 ج 2 ص 95 عن أمالي أبي علي الشيخ الطوسي.
(2) سفينة البحار ج 2 ص 348 عن امالي الصدوق (ره).
{ 106 }
المفرقة، وجعله الايمان والتقى مقياساً للتفاضل، أنّ أبا لهب - وهو من صميم العرب، وعمّ النبي - صرح القرآن بثلبه وعذابه «تَبّت يدا أبي لهب وتب، ما أغنى عنه ماله وما كسب، سيصلى ناراً ذات لهب» وذلك بكفره ومحاربته للّه ورسوله.
وكان سلمان فارسّياً، بعيداً عن الأحساب العربية، وقد منحه الرسول الأعظم صلى اللّه عليه وآله وساماً خالداً في الشرف والعزة، فقال: «سلمان منّا أهل البيت». وما ذلك الا لسمو إيمانه، وعِظم إخلاصه، وتفانيه في اللّه ورسوله.
حقيقة العصبية:
لاريب أنّ العصبية الذميمة التي نهى الاسلام عنها هي: التناصر على الباطل، والتعاون على الظلم، والتفاخر بالقيم الجاهلية.
أما التعصب للحق، والدفاع عنه…، والتناصر على تحقيق المصالح الاسلامية العامة، كالدفاع عن الدين، وحماية الوطن الاسلامي الكبير، وصيانة كرامات المسلمين وأنفسهم وأموالهم، فهو التعصّب المحمود الباعث على توحيد الأهداف والجهود، وتحقيق العِزة والمنعة للمسلمين، وقد قال الامام زين العابدين علي بن الحسين عليهما السلام: «إنّ العصبية التي يأثم عليها صاحبها، أن يرى الرجل شرار قومه خيراً من خيار قوم آخرين، وليس من العصبية أن يحب الرجل قومه، ولكِن من العصبية أن يعين
{ 107 }
قومه على الظلم»(1).
غوائل العصبية:
من استقرأ التاريخ الاسلامي، وتتبع العلل والأسباب، في هبوط المسلمين، عَلِم أنّ النزعات العصبية، هي المعول الهدّام، والسبب الأول في تناكر المسلمين، وتمزيق شملهم، وتفتيت طاقاتهم، مما أدى بهم الى هذا المصير القاتم.
فقد ذلّ المسلمون وهانوا، حينما تفشّت فيهم النعرات المفرّقة، فانفصمت بينهم عرى التحابب، ووهت فيهم أواصر الاخاء، فأصبحوا مثالاً للتخلف والتبعثر والهوان، بعد أن كانوا رمزاً للتفوق والتماسك والفخار، كأنّهم لم يسمعوا كلام اللّه تعالى حيث قال:
«واعتصموا بحبل اللّه جميعاً ولا تفرقوا، واذكروا نعمة اللّه عليكم إذ كنتم أعداءاً فألّف بين قلوبكم، فأصبحتم بنعمته إخواناً. وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها»(2).
_____________________
(1) الوافي ج 3 ص 149 عن الكافي.
(2) آل عمران: 103.
العدل
العدل ضد الظلم، وهو مناعة نفسية، تردع صاحبها عن الظلم، وتحفّزه على العدل، وأداء الحقوق والواجبات.
وهو سيد الفضائل، ورمز المفاخر، وقوام المجتمع المتحضر، وسبيل السعادة والسلام.
وقد مجّده الاسلام، وعنى بتركيزه والتشويق اليه في القرآن والسنة:
قال تعالى: «إنّ اللّه يأمر بالعدل والاحسان»(1).
وقال سبحانه: «وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى»(2).
وقال عز وجل: «إنّ اللّه يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها، وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل»(3).
وقال الصادق عليه السلام: «العدل أحلى من الشهد، وألين من الزبد، وأطيب ريحاً من المسك»(4).
_____________________
(1) النحل: 90.
(2) الانعام: 152.
(3) النساء: 58.
(4) الوافي ج 3 ص 89 عن الكافي، وهو من قبيل تشبيه المعقول بالمحسوس.
{ 109 }
وقال الراوي لعلي بن الحسين عليه السلام أخبرني بجميع شرائع الدين؟ قال: «قول الحق، والحكم بالعدل، والوفاء بالعهد»(1).
وقال الرضا عليه السلام: «استعمال العدل والاحسان مؤذن بدوام النعمة»(2).
أنواع العدل:
للعدل صور مشرقة تشع بالجمال والجلال، وإليك أهمها:
1 - عدل الانسان مع اللّه عز وجل، وهو أزهى صور العدل، وأسمى مفاهيمه، وعنوان مصاديقه، وكيف يستطيع الانسان أن يؤدي واجب العدل للمنعم الأعظم، الذي لا تحصى نعماؤه، ولا تعدّ آلاؤه؟!
وإذا كان عدل المكافأة يُقدّر بمعيار النعم، وشرف المنعم، فمن المستحيل تحقيق العدل نحو واجب الوجود، والغني المطلق عن سائر الخلق، الا بما يستطيعه قصور الانسان، وتوفيق المولى عز وجل له.
وجماع العدل مع اللّه تعالى يتلخص في الايمان به، وتوحيده، والاخلاص له، وتصديق سفرائه وحججه على العباد، والاستجابة لمقتضيات ذلك من التوله بحبّه والتشرف بعبادته، والدأب على طاعته، ومجافاة عصيانه.
2 - عدل الانسان مع المجتمع:
وذلك برعاية حقوق أفراده، وكفّ الأذى والاساءة عنهم،
_____________________
(1) البحار م 16 كتاب العشرة ص 125 عن خصال الصدوق (ره).
(2) البحار م 16 كتاب العشرة ص 125 عن عيون اخبار الرضا.
{ 110 }
وسياستهم بكرم الأخلاق، وحسن المداراة وحبّ الخير لهم، والعطف على بؤسائهم ومعوزيهم، ونحو ذلك من محققات العدل الاجتماعي.
وقد لخّص اللّه تعالى واقع العدل العام في آية من كتابه المجيد: «إن اللّه يأمر بالعدل والاحسان، وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، يعظكم لعلكم تذكرون»(1).
وقد رسم أمير المومنين عليه السلام منهاج العدل الاجتماعي بايجاز وبلاغة، فقال لابنه:
«يا بنُيّ إجعل نفسك ميزاناً فيما بينك وبين غيرك، فأحبب لغيرك ما تحبّ لنفسك، واكره له ما تكره لها، ولا تظلم كما لا تحب أن تُظلم، وأحسن كما تحب أن يحسن اليك، واستقبح من نفسك ما تستقبح من غيرك، وارض من الناس بما ترضاه لهم من نفسك، ولا تقل ما لا تعلم وإن قلّ ما تعلم، ولا تقل ما لا تحب أن يقال لك».
أوصى عليه السلام ابنه الكريم أن يكون عادلاً فيما بينه وبين الناس كالميزان، ثم أوضح له صور العدل وطرائقه إيجاباً وسلباً.
3 - عدل البشر الأحياء مع أسلافهم الأموات، الذين رحلوا عن الحياة، وخلّفوا لهم المال والثراء، وحرموا من متعه ولذائذه، ولم يكسبوا في رحلتهم الأبدية، الا أذرعاً من أثواب البلى، وأشباراً ضيقة من بطون الأرض.
_____________________
(1) النمل: 90.
{ 111 }
فمن العدل أن يستشعر الأحياء نحو أسلافهم بمشاعر الوفاء والعطف وحسن المكافاة، وذلك بتنفيذ وصاياهم، وتسديد ديونهم، وإسداء الخيرات والمبرات اليهم، وطلب الغفران والرضا والرحمة من اللّه عز وجل لهم.
قال الصادق عليه السلام: «إنّ الميّت ليفرح بالترحم عليه، والاستغفار له، كما يفرح الحي بالهدية تُهدى اليه».
وقال عليه السلام: «من عمل من المسلمين عن ميت عملاً صالحاً، أضعف اللّه له أجره، ونفع اللّه به الميت»(1).
4 - عدل الحكام:
وحيث كان الحكام ساسة الرعية، وولاة أمر الأمة، فهم أجدر الناس بالعدل، وأولاهم بالتحلي به، وكان عدلهم أسمى مفاهيم العدل، وأروعها مجالاً وبهاءً، وأبلغها أثراً في حياة الناس.
بعدلهم يستتب الأمن، ويسود السلام، ويشيع الرخاء، وتسعد الرعية.
وبجورهم تنتكس تلك الفضائل، والأماني الى نقائضها، وتغدو الأمة آنذاك في قلق وحيرة وضنك وشقاء.
محاسن العدل:
فطرت النفوس السليمة على حب العدل وتعشقه، وبغض الظلم واستنكاره. وقد أجمع البشر عبر الحياة، وإختلاف الشرائع والمبادئ،
_____________________
(1) هذا الخبر وسابقه عن كتاب من لا يحضره الفقيه للصدوق.
{ 112 }
على تمجيد العدل وتقديسه، والتغني بفضائله ومآثره، والتفاني في سبيله.
فهو سرّ حياة الامم، ورمز فضائلها، وقوام مجدها وسعادتها، وضمان أمنها ورخائها، وأجل أهدافها وأمانيها في الحياة.
وما دالت الدول الكبرى، وتلاشت الحضارات العتيدة، الا بضياع العدل والاستهانة بمبدئه الأصيل، وقد كان أهل البيت عليهم السلام المثل الأعلى للعدل، وكانت أقوالهم وافعالهم دروساً خالدة تنير للانسانية مناهج العدل والحق والرشاد.
وإليك نماذج من عدلهم:
قال سوادة بن قيس للنبي صلى اللّه عليه وآله في أيام مرضه: يا رسول اللّه إنك لما اقبلت من الطائف استقبلتك وأنت على ناقتك العضباء، وبيدك القضيب الممشوق، فرفعت القضيب وأنت تريد الراحلة، فأصاب بطني، فأمره النبي أن يقتصّ منه، فقال: اكشف لي عن بطنك يا رسول اللّه فكشف عن بطنه، فقال سوادة: أتأذن لي أن اضع فمي على بطنك، فأذن له فقال: أعوذ بموضع القصاص من رسول اللّه من النار يوم النار. فقال صلى اللّه عليه وآله: يا سوادة بن قيس اتعفو أم تقتص؟ فقال: بل أعفو يا رسول اللّه. فقال: اللهم أعف عن سوادة بن قيس كما عفا عن نبيك محمد(1).
وقال أبو سعيد الخدري: جاء أعرابي الى النبي صلى اللّه عليه وآله يتقاضاه ديناً كان عليه، فاشتدّ عليه حتى قال له: أحرّج عليك
_____________________
(1) سفينة البحار ج 1 ص 671.
{ 113 }
إلا قضيتني، فانتهره أصحابه وقالوا: ويحك، تدري من تكلم؟!! قال: إني أطلب حقّي. فقال النبي صلى اللّه عليه وآله: هلا مع صاحب الحق كنتم، ثم أرسل الى خولة بنت قيس فقال لها: إن كان عندك تمر فأقرضينا، حتى يأتي تمرنا فنقضيك. فقالت: نعم بأبي أنت وأمي يا رسول اللّه. قال: فأقرضته فقضى الأعرابي وأطعمه. فقال: أوفيت أوفى اللّه لك؟ فقال: اولئك خيار الناس، إنه لا قدست أمة لا يأخذ الضعيف فيها حقه غير متعتع.
وقيل: إن الاعرابي كان كافراً، فأسلم بمشاهدة هذا الخلق الرفيع، وقال: يا رسول اللّه ما رأيت أصبر منك(1).
وهكذا كان أمير المؤمنين علي عليه السلام:
قال الصادق عليه السلام لما ولي علي صعد المنبر فحمد اللّه، وأثنى عليه، ثم قال: إني لا أرزؤكم من فيئكم درهماً، ما قام لي عذق بيثرب، فلتصدقكم أنفسكم، أفتروني مانعاً نفسي ومعطيكم؟!! قال: فقام اليه عقيل كرّم اللّه وجهه فقال له: اللّه، لتجعلني وأسود بالمدينة سواء، فقال: اجلس، أما كان هنا أحد يتكلم غيرك، وما فضلك عليه إلا بسابقة أو بتقوى(2).
وجاء في صواعق ابن حجر ص 79 قال: وأخرج ابن عساكر أن
_____________________
(1) فضائل الخمسة من الصحاح الستة ج 1 ص 122 عن صحيح ابن ماجة.
(2) البحار م 9 ص 539 عن الكافي.
{ 114 }
عقيلاً سأل علياً عليه السلام فقال: إني محتاج، وإني فقير فاعطني. قال: إصبر حتى يخرج عطاؤك مع المسلمين، فأعطيك معهم، فألح عليه، فقال لرجل: خذ بيده وانطلق به الى حوانيت أهل السوق فقل له دقّ هذه الأقفال، وخذ ما في هذه الحوانيت. قال: تريد أن تتخذني سارقاً؟ قال: وأنت تريد أن تتخذني سارقاً، ان آخذ أموال المسلمين فأعطيكها دونهم؟ قال: لآتين معاوية. قال: أنت وذاك. فأتى معاوية فسأله فأعطاه مائة ألف، ثم قال: اصعد على المنبر، فاذكر ما أولاك به عليّ وما أوليتك، فصعد فحمد اللّه، وأثنى عليه، ثم قال: ايها الناس اني أخبركم أني أردت علياً عليه السلام على دينه فاختار دينه، وإني أردت معاوية على دينه فاختارني على دينه(1).
ومشى اليه عليه السلام ثلة من أصحابه عند تفرق الناس عنه، وفرار كثير منهم الى معاوية، طلباً لما في يديه من الدنيا، فقالوا: يا أمير المؤمنين إعط هذه الأموال، وفضّل هؤلاء الأشراف من العرب وقريش على الموالي والعجم، ومن تخاف عليه من الناس فراره الى معاوية، فقال لهم أمير المؤمنين عليه السلام: «أتأمروني أن أطلب النصر بالجور، لا واللّه ما أفعل، ما طلعت شمس، ولاح في السماء نجم، واللّه، لو كان مالهم لي لواسيت بينهم، وكيف وإنما هي أموالهم»(2).
وقال ابن عباس: اتيته (يعني امير المؤمنين علياً) فوجدته يخصف
_____________________
(1) فضائل الخمسة عن الصحاح الستة ج 3 ص 15.
(2) البحار م 9 ص 533 بتصرف.
{ 115 }
نعلا، ثم ضمها الى صاحبتها، وقال لي: قوّمها. فقلت: ليس لهما قيمة. قال: على ذلك. قلت: كسر درهم. قال: واللّه، لهما أحب اليّ من أمركم هذا إلا أن أقيم حداً (حقاً) أو ادفع باطلاً(1).
وهو القائل: «واللّه لئن أبيت على حسك السعدان مسهداً، واجرُّ في الأغلال مصفداً، أحب اليّ من أن القى اللّه ورسوله يوم القيامة ظالماً لبعض العباد، وغاصباً لشيء من الحطام، وكيف أظلم أحداً لنفس يسرع الى البلى قفولها، ويطول في الثرى حلولها»(2).
_____________________
(1) سفينة البحار ج 1 ص 570 بتصرف.
(2) سفينة البحار ج 2 ص 606 عن النهج.
الظلم
الظلم لغة: وضع الشيء في غير موضعه، فالشرك ظلم عظيم، لجعله موضع التوحيد عند المشركين.
وعرفاً هو: بخس الحق، والاعتداء على الغير، قولاً أو عملاً، كالسباب، والاغتياب، ومصادرة المال، واجترام الضرب أو القتل، ونحو ذلك من صور الظلامات المادية أو المعنوية.
والظلم من السجايا الراسخة في اغلب النفوس، وقد عانت منه البشرية في تاريخها المديد ألوان المآسي والأهوال، مما جهّم الحياة، ووسمها بطابع كئيب رهيب.
والظلم من شيم النفوس فإن تجد*** ذا عفة فلعلة لا يظلم
من أجل ذلك كان الظلم جماع الآثام ومنبع الشرور، وداعية الفساد والدمار.
وقد تكاثرت الآيات والأخبار بذمه والتحذير منه:
قال تعالى: «إنه لا يفلح الظالمون»(1).
«إن اللّه لا يهدي القوم الظالمين»(2).
_____________________
(1) الأنعام: 21 .
(2) الأنعام: 144.
{ 117 }
«واللّه لا يحب الظالمين»(1).
«إن الظالمين لهم عذاب أليم»(2).
«ولقد أهلكنا القرون من قبلكم لما ظلموا»(3).
وقال تعالى: «ولا تحسبن اللّه غافلاً عمّا يعمل الظالمون، إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار»(4).
وقال سبحانه: «ولو أن لكل نفس ظلمت ما في الأرض لافتدت به ، وأسرّوا الندامة لمّا رأوا العذاب وقضي بينهم بالقسط وهم لا يظلمون»(5).
وقال أمير المؤمنين عليه السلام: «واللّه لو أعطيت الأقاليم السبعة بما تحت أفلاكها، على ان أعصي اللّه في نملة أسلبها جُلب شعيرةٍ ما فعلت، وإن دنياكم لأهون عليّ من ورقة في فم جرادة، ما لعليّ ونعيم يفنى ولذة لا تبقى»(6). وعن أبي بصير قال: «دخل رجلان على أبي عبد اللّه عليه السلام في مداراة بينهما ومعاملة، فلما أن سمع كلامها قال: أما إنه ما ظفر أحد بخير من ظفر بالظلم، أما إن المظلوم يأخذ من دين الظالم أكثر مما يأخذ الظالم من مال المظلوم. ثم قال: من يفعل الشرّ بالناس فلا
_____________________
(1) آل عمران: 57.
(2) ابراهيم: 22.
(3) يونس: 13.
(4) ابراهيم: 42.
(5) يونس: 54.
(6) نهج البلاغة.
{ 118 }
ينكر الشر إذا فُعل به، أما إنه انما يحصد ابن آدم ما يزرع، وليس يحصد أحد من المرّ حلواً، ولا من الحلو مراً، فاصطلح الرجلان قبل أن يقوما»(1).
وقال عليه السلام: «من أكل مال أخيه ظلماً ولم يرده اليه، أكل جذوة من النار يوم القيامة»(2).
وقال الصادق عليه السلام: «من ظلم سلّط اللّه عليه من يظلمه، أو على عقبه، أو على عقب عقبه».
قال (الراوي) يظلم هو فيسلط على عقبه؟ فقال: إن اللّه تعالى يقول: «وليخش الذين لو تركوا مِن خَلفِهم ذريةً ضعافاً خافوا عليهم فليتقوا اللّه،، وليقولوا قولاً سديداً» (النساء: 9)(3).
وتعليلاً للخبر الشريف: أن مؤاخذة الأبناء بجرائم الآباء انما هو في الابناء الذين ارتضوا مظالم آبائهم أو اغتنموا تراثهم المغصوب، ففي مؤاخذتهم زجر عاطفي رهيب، يردع الظالم عن العدوان خشية على أبنائه الأعزاء، وبشارة للمظلوم على معالجة ظالمه بالانتقام، مشفوعة بثواب ظلامته في الآخرة.
وعن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله: «من أصبح لايهم بظلم غفر اللّه له ما اجترم»(4).
أي ما اجترم من الذنوب التي بينه وبين اللّه عز وجل في ذلك اليوم.
الى كثير من الروايات الشريفة التي ستراها في مطاوي هذا البحث.
_____________________
(1)، (2)، (3)، (4) الوافي ج 3 ص 162 عن الكافي.
{ 119 }
أنواع الظلم:
يتنوع الظلم صوراً نشير اليها إشارة لامحة:
1 - ظلم الانسان نفسه:
وذلك باهمال توجيهها الى طاعة اللّه عز وجل، وتقويمها بالخلق الكريم، والسلوك الرضي، مما يزجها في متاهات الغواية والضلال، فتبوء آنذاك بالخيبة والهوان.
«ونفس وما سواها، فألهما فجورها وتقواها، قد أفلح من زكاها، وقد خاب من دساها»(1).
2 - ظلم الانسان عائلته:
وذلك باهمال تربيتهم تربية إسلامية صادقة، وإغفال توجيههم وجهة الخير والصلاح، وسياستهم بالقسوة والعنف، والتقتير عليهم بضرورات الحياة ولوازم العيش الكريم، مما يوجب تسيبهم وبلبلة حياتهم، مادياً وأدبياً.
3 - ظلم الانسان ذوي قرباه:
وذلك بجفائهم وخذلانهم في الشدائد والأزمات، وحرمانهم من مشاعر العطف والبر، مما يبعث على تناكرهم وتقاطعهم.
4 - ظلم الانسان للمجتمع:
وذلك بالاستعلاء على أفراده وبخس حقوقهم، والاستخفاف بكراماتهم،
_____________________
(1) الشمس: (7 - 10).
{ 120 }
وعدم الاهتمام بشؤونهم ومصالحهم. ونحو ذلك من دواعي تسيب المجتمع وضعف طاقاته.
وأبشع المظالم الاجتماعية، ظلم الضعفاء، الذين لا يستطعيون صد العدوان عنهم، ولا يملكون الا الشكاة والضراعة الى العدل الرحيم في أساهم، وظلاماتهم.
فعن الباقر عليه السلام قال: لما حضر علي بن الحسين عليه السلام الوفاة، ضمني الى صدره، ثم قال: «يا بني أوصيك بما أوصاني به أبي حين حضرته الوفاة، وبما ذكر أن أباه أوصاه، قال: يابني إياك وظلم من لا يجد عليك ناصراً الاّ اللّه تعالى»(1).
5 - ظلم الحكام والمتسلطين:
وذلك باستبدادهم، وخنقهم حرية الشعوب، وامتهان كرامتها، وابتزاز أموالها، وتسخيرها لمصالحهم الخاصة.
من أجل ذلك كان ظلم الحكام أسوأ أنواع الظلم وأشدّها نُكراً، وأبلغها ضرراً في كيان الأمة ومقدراتها.
قال الصادق عليه السلام: «إن اللّه تعالى أوحى الى نبي من الأنبياء، في مملكة جبار من الجبابرة: أن إئتِ هذا الجبار فقل له: إني لم استعملك على سفك الدماء، واتخاذ الأموال، وإنما استعملتك لتكفّ عني أصوات المظلومين، فاني لن أدع ظلامتهم وان كانوا كفاراً»(2).
_____________________
(1)، (2) الوافي ج 3 ص 162 عن الكافي.
{ 121 }
وعن الصادق عن آبائه عن النبي صلى اللّه عليه وآله أنه قال: «تكلم النارُ يوم القيامة ثلاثة: أميراً، وقارئاً، وذا ثروة من المال.
فتقول للأمير: يا من وهب اللّه له سلطاناً فلم يعدل، فتزدرده كما يزدرد الطير حب السمسم.
وتقول للقارئ: يا من تزَين للناس وبارز اللّه بالمعاصي فتزدرده.
وتقول للغني: يا من وهب اللّه له دنيا كثيرةً واسعةً فيضاً، وسأله الحقير اليسير قرضاً فأبى الا بخلاً فتزدرده»(1).
وليس هذا الوعيد الرهيب مقصوراً على الجائرين فحسب، وإنما يشمل من ضلع في ركابهم، وارتضى أعمالهم، وأسهم في جورهم، فإنه وإياهم سواسية في الاثم والعقاب، كما صرحت بذلك الآثار:
قال الصادق عليه السلام: «العامل بالظلم، والمعين له، والراضي به، شركاء ثلاثتهم»(2).
لذلك كانت نُصرة المظلوم، وحمايته من عسف الجائرين، من أفضل الطاعات، وأعظم القربات الى اللّه عز وجل، وكان لها وقعها الجميل، وآثارها الطيبة في حياة الانسان المادية والروحية.
قال الامام الكاظم عليه السلام لابن يقطين: «إضمن لي واحدةً أضمن لك ثلاثاً، إضمن لي أن لا تلقى أحداً من موالينا في دار الخلافة الا بقضاء حاجته، أضمن لك أن لا يصيبك حدّ السيف أبداً، ولا يظلك
_____________________
(1) البحار م 16 ص 209 عن الخصال للصدوق (ره).
(2) الوافي ج 3 ص 163 عن الكافي.
{ 122 }
سقف سجن أبداً، ولا يدخل الفقر بيتك أبداً»(1).
وقال أبو الحسن عليه السلام: «إن لله جل وعزّ مع السلطان أولياء، يدفع بهم عن أوليائه».
وفي خبر آخر: «أولئك عتقاء اللّه من النار»(2).
وقال الصادق عليه السلام: «كفّارة عمل السلطان قضاء حوائج الاخوان»(3).
وعن محمد بن جمهور وغيره من أصحابنا قال: كان النجاشي - وهو رجل من الدهاقين - عاملاً على الأهواز وفارس، فقال بعض أهل عمله لأبي عبد اللّه عليه السلام: إن في ديوان النجاشي عليّ خراجاً، وهو ممن يدين بطاعتك، فان رأيت أن تكتب لي اليه كتاباً. قال: فكتب اليه أبو عبد اللّه: «بسم اللّه الرحمن الرحيم سُر أخاك يسرك اللّه».
فلما ورد عليه الكتاب وهو في مجلسه، فلما خلا ناوله الكتاب وقال: هذا كتاب أبي عبد اللّه عليه السلام، فقبله ووضعه على عينيه ثم قال: ما حاجتك؟ فقال: عليّ خراج في ديوانك. قال له: كم هو؟ قال: هو عشرة آلاف درهم.
قال: فدعا كاتبه فأمره بأدائها عنه، ثم أخرج مثله فأمره أن يثبتها له لقابل، ثم قال له: هل سررتك؟ قال نعم. قال: فأمر له بعشرة آلاف درهم أخرى فقال له: هل سررتك؟ قال: نعم جعلت فداك.
_____________________
(1) كشكول البهائي طبع ايران ص 124.
(2)، (3) الوافي ج 10 ص 28 عن الفقيه.
{ 123 }
فأمر له بمركب، ثم أمر به بجارية وغلام، وتخت ثياب، في كل ذلك يقول: هل سررتك؟ فكلما قال: نعم، زاده حتى فرغ، فقال له: إحمل فرش هذا البيت الذي كنت جالساً فيه حين دفعتَ إليَّ كتاب مولاي فيه، وارفع إليّ جميع حوائجك. قال: ففعل، وخرج الرجل فصار الى أبي عبد اللّه عليه السلام، فحدثه بالحديث على جهته، فجعل يستبشر بما فعله.
قال له الرجل: يابن رسول اللّه قد سرّك ما فعل بي؟ قال: اي واللّه، لقد سرّ اللّه ورسوله(1).
وخامة الظلم:
بديهي أنّ استبشاع الظلم واستنكاره، فطري في البشر، تأباه النفوس الحرّة، وتستميت في كفاحه وقمعه، وليس شيء أضرّ بالمجتمع، وأدعى الى تسيبه ودماره من شيوع الظلم وانتشار بوائقه فيه.
فالاغضاء عن الظلم يشجع الطغاة على التمادي في الغيّ والاجرام، ويحفّز الموتورين على الثأر والانتقام، فيشيع بذلك الفوضى، وينتشر الفساد، وتغدو الحياة مسرحاً للجرائم والآثام، وفي ذلك انحلال الامم، وفقد أمنها ورخائها، وانهيار مجدها وسلطانها.
_____________________
(1) الوافي ج 10 ص 28 عن الكافي.
{ 124 }
علاج الظلم:
من العسير جداً علاج الظلم، واجتثاث جذوره المتغلغلة في أعماق النفس، بيد أن من الممكن تخفيف جماحه، وتلطيف حدته، وذلك بالتوجيهات الآتية:
1 - التذكر لما أسلفناه من مزايا العدل، وجميل آثاره في حياة الأمم والأفراد، من اشاعة السلام، ونشر الوثام والرخاء.
2 - الاعتبار بما عرضناه من مساوئ الظلم وجرائره المادية والمعنوية.
3 - تقوية الوازع الديني، وذلك بتربية الضمير والوجدان، وتنويرهما بقيم الايمان ومفاهيمه الهادفة الموجهة.
4 - استقراء سيَر الطغاة وما عانوه من غوائل الجور وعواقبه الوخيمة.
جاء في كتاب حياة الحيوان عند ذكر الحجلان: أن بعض مقدّميُّ الأكراد حضر على سماط بعض الأمراء، وكان على السماط حجلتان مشويتان، فنظر الكرديُ اليهما وضحك، فسأله الأمير عن ذلك، فقال: قطعت الطريق في عنفوان شبابي على تاجر فلما أردت قتله، تضرّع فما أفاد تضرعه، فلما رآني أقتله لا محالة، التفت إلى حجلتين كانتا في الجبل، فقال: إشهدا عليه إنه قاتلي، فلما رأيت هاتين الحجلتين تذكرت حمقه» فقال الأمير: قد شهدتا، ثم أمر بضرب عنقه(1).
_____________________
(1) كشكول البهائي طبع ايران ص 21.
{ 125 }
وفي سراج الملوك لأبي بكر الطرطوسي: أنّ عبد الملك بن مروان أرق ليلةً، فاستدعى سميراً له يحدثه، فكان فيما حدّثه أن قال: يا أمير المؤمنين، كان بالموصل بومة، وبالبصرة بومة، فخطبت بومة الموصل الى بومة البصرة بنتها لابنها، فقالت بومة البصرة: لا أفعل الا أن تجعلي صداقها مائة ضيعة خراب! فقالت بومة الموصل: لا أقدر على ذلك الآن، ولكن إن دام والينا علينا، سلمه اللّه تعالى سنة واحدة فعلت ذلك، فاستيقظ عبد الملك، وجلس للمظالم، وأنصف الناس بعضهم من بعض، وتفقد أمر الولاة(1).
_____________________
(1) سفينة البحار ج 1 ص 110.
الاخلاص
الاخلاص: ضد الرياء، وهو صفاء الأعمال من شوائب الرياء، وجعلها خالصة للّه تعالى.
وهو قوام الفضائل، وملاك الطاعة، وجوهر العبادة، ومناط صحة الأعمال، وقبولها لدى المولى عز وجل.
وقد مجّدته الشريعة الاسلامية، ونوّهت عن فضله، وشوقت اليه، وباركت جهود المتحلين به في طائفة من الآيات والأخبار:
قال تعالى: «فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربّه أحداً»(1).
وقال سبحانه: «فاعبد اللّه مخلصاً له الدين، ألا للّه الدين الخالص»(2).
وقال عز وجل: «وما أمروا الا ليعبدوا اللّه مخلصين له الدين» (3).
وقال النبي صلى اللّه عليه وآله: «من أخلص للّه أربعين يوماً،
_____________________
(1) الكهف: 110.
(2) الزمر (2 - 3).
(3) البينة: 5.
{ 127 }
فجر اللّه ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه»(1).
وقال الامام الجواد عليه السلام: «أفضل العبادة الإخلاص»(2).
وعن الرضا عن آبائه عليهم السلام قال: قال امير المؤمنين عليه السلام: «الدنيا كلها جهل الا مواضع العلم، والعلم كله جهل الا ما عمل به، والعمل كله رياء الا ما كان مخلصاً، والاخلاص على خطر، حتى ينظر العبد بما يُختم له»(3).
وقال النبي صلى اللّه عليه وآله: «يا أبا ذر لايفقه الرجل كل الفقه، حتى يرى الناس في جنب اللّه أمثال الأباعر، ثم يرجع الى نفسه فيكون هو أحقر حاقرٍ لها»(4).
فضيلة الاخلاص:
تتفاوت قيم الأعمال، بتفاوت غاياتها والبواعث المحفزة عليها، وكلما سمت الغاية، وطهرت البواعث من شوائب الغش والتدليس والنفاق، كان ذلك أزكى لها، وأدعى الى قبولها لدى المولى عز وجل.
وليس الباعث في عرف الشريعة الاسلامية الا (النيّة) المحفّزة على الأعمال، فمتى استهدفت الاخلاص للّه تعالى، وصفت من كدر
_____________________
(1) ، (2) البحار م 15 ص 87 عن عدة الداعي لابن فهد.
(3) البحار م 15 ص 85 عن الأمالي والتوحيد للصدوق.
(4) الوافي ج 14 ص 54 في وصية النبي (ص) لأبي ذر.
{ 128 }
الرياء نبلت وسعدت بشرف رضوان اللّه وقبوله، ومتى شابها الخداع والرياء، باءت بسخطه ورفضه.
لذلك كان الاخلاص حجراً اساسياً في كيان العقائد والشرائع، وشرطاً واقعياً لصحة الأعمال، إذ هو نظام عقدها، ورائدها نحو طاعة اللّه تعالى ورضاه.
وناهيك في فضل الاخلاص أنه يحرر المرء من اغواء الشيطان وأضاليله (فبعزتك لأغوينهم أجمعين، إلا عبادك منهم المخلصين).
عوائق الاخلاص:
وحيث كان الاخلاص هو المنار الساطع، الذي ينير للناس مناهج الطاعة الحقة، والعبودية الصادقة، كان الشيطان ولوعاً دؤوباً على إغوائهم وتضليلهم بصنوف الأماني والآمال الخادعة: كحب السمعة والجاه، وكسب المحامد والأمجاد، وتحري الأطماع المادية التي تمسخ الضمائر وتمحق الأعمال، وتذرها قفراً يباباً من مفاهيم الجمال والكمال وحلاوة العطاء.
وقد يكون إيحاء الشيطان بالرياء هامساً خفيفاً ماكراً، فيمارس الانسان الطاعة والعبادة بدافع الاخلاص، ولو محصها وأمعن فيها وجدها مشوبةً بالرياء. وهذا من أخطر المزالق، وأشدها خفاءاً وخداعاً. ولا يتجنبها الا الأولياء الأفذاذ.
كما حُكي عن بعضهم أنه قال: «قضيت صلاة ثلاثين سنة كنت
{ 129 }
صليتها في المسجد جماعة في الصف الأول، لأني تأخرت يوماً لعذر، وصليت في الصف الثاني، فاعترتني خجلة من الناس، حيث رأوني في الصف الثاني، فعرفت أنّ نظر الناس اليّ في الصف الأول كان يسرني، وكان سبب استراحة قلبي.
نعوذ باللّه من سبات الغفلة، وُخدع الرياء والغرور. من أجل ذلك يحرص العارفون على كتمان طاعاتهم وعباداتهم، خشية من تلك الشوائب الخفية.
فقد نُقل: ان بعض العباد صام أربعين سنة لم يعلم به أحد من الأباعد والأقارب، كان يأخذ غذاءه فيتصدق به في الطريق، فيظن أهله أنه أكل في السوق، ويظن أهل السوق، أنه أكل في البيت.
كيف نكسب الاخلاص:
بواعث الاخلاص ومحفزاته عديدة تلخصها النقاط التالية:
1 - استجلاء فضائل الاخلاص السالفة، وعظيم آثاره في دنيا العقيدة والايمان.
2 - ان أهم بواعث الرياء وأهدافه استثارة إعجاب الناس، وكسب رضاهم، وبديهي أن رضا الناس غاية لا تدرك، وأنهم عاجزون عن إسعاد أنفسهم، فضلاً عن غيرهم، وأن المسعد الحق هو اللّه تعالى الذي بيده أزمة الأمور، وهو على كل شيء قدير، فحري بالعاقل أن يتجه
{ 130 }
اليه ويخلص الطاعة والعبادة له.
3 - إن الرياء والخداع سرعان ما ينكشفان للناس، ويسفران عن واقع الانسان، مما يفضح المرائي ويعرضه للمقت والازدراء.
ثوب الرياء يشف عما تحته*** فإذا التحفتَ به فإنك عاري
فعلى المرء أن يتسم بصدق الاخلاص، وجمال الطوية، ليكون مثلاً رفيعاً للاستقامة والصلاح.
فقد جاء في الآثار السالفة: «إن رجلاً من بني اسرائيل قال: لأعبدن اللّه عبارة أذكر بها، فمكث مدةً مبالغاً في الطاعات، وجعل لا يمر بملأ من الناس الا قالوا: متصنع مراء، فأقبل على نفسه وقال: قد أتعبت نفسك، وضيعت عمرك في لا شيء، فينبغي أن تعمل للّه سبحانه، وأخلص عمله للّه، فجعل لا يمر بملأ من الناس الا قالوا ورع تقي».
| |
| | | Admin Admin
عدد المساهمات : 82 تاريخ التسجيل : 21/10/2010
| موضوع: رد: اخلاق اهل البيت (التاخي, العصبية ,العدل, الظلم , الاخلاص) الأحد أكتوبر 24, 2010 9:37 am | |
| | |
| | | عاشقة الحسين
عدد المساهمات : 29 تاريخ التسجيل : 23/10/2010
| موضوع: رد: اخلاق اهل البيت (التاخي, العصبية ,العدل, الظلم , الاخلاص) الأحد أكتوبر 24, 2010 10:43 am | |
| | |
| | | | اخلاق اهل البيت (التاخي, العصبية ,العدل, الظلم , الاخلاص) | |
|
مواضيع مماثلة | |
|
| صلاحيات هذا المنتدى: | لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
| |
| |
| |
|